الثلاثاء، 10 مارس 2015



الوسائل التي تحقق الأمن: 

بسم الله الرحمن الرحيم، الوسائل التي تحقق الأمن كثيرة جِدًّا ولا يمكن أن نحصرها بمثل هذا المقام، ولقد ذكر منها فضيلة الشيخ عبد العزيز الحمدان الشيء الكثير، ولست بآتٍ بجديد، ولكن نذكر بعض وسائل تحقيق الأمن في المجتمعات.

الوسيلة الأولى:

طاعة الله جل وعلا.

الوسيلة الثانية: 

طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوسيلة الثالثة: 

طاعة ولاة الأمور الذين أمر الله جل وعلا بطاعتهم، وجعل طاعتهم من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمروا بطاعة الله، كما في قول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 59].

فاحترام ولاة الأمور والسمع والطاعة لهم من أعظم الوسائل التي يستتب بها الأمن بإذن الله جل وعلا، فبعض الناس يقول: أنا مسلم أعبد الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس لي وَلِيُّ أمر أأتَمر بأمره وأنتهي عن نهيه، وليست في رقبتي بيعة لأحد، ولست أعترف بأي إنسان يأتمر على الناس، أو يكون له الأمر عليهم. فنقول له: إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال:: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً (17)».(16)

وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه لما قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: «أُوصِيكُمْ بِتقْوى اللّهِ، والسّمْعِ والطّاعةِ وإِنْ كان عبْدًا حبشِيًّا؛ فإِنّهُ منْ يعِشْ مِنْكُمْ يرى بعْدِى اخْتِلافًا كثِيرًا، فعليْكُمْ بِسُنّتِى، وسُنّةِ الْخُلفاءِ الرّاشِدِين الْمهْدِيِّين، وعضُّوا عليْها بِالنّواجِذِ، وإِيّاكُمْ ومُحْدثاتِ الأُمُورِ، فإِنّ كُلّ مُحْدثةٍ بِدْعةٌ، وإِنّ كُلّ بِدْعةٍ ضلالةٌ».(18)

فهذا دليل على أن السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية الله من أعظم وأهم الوسائل التي يستتب بها الأمن، ولا يجوز للمسلم أن يطعن في ولاة أمره، لا في المجالس، ولا في المنابر، ولا في الاجتماعات العامة، ولا أن يظهر عيوبهم ومثالبهم، ولا يصح القدح فيهم ولا إيغال الصدور عليهم؛ لأن بعض الناس يكون هذا شغله الشاغل في المجالس، إذا جلس في مجلس أصبح يسب في ولاة الأمر ويُظْهر معايبهم، ويظهر حقده عليهم، ويوغل صدور الناس عليهم، وذلك يسبب الفرقة، ويسبب خلع البيعة، ويسبب عدم السمع والطاعة لولي الأمر، فإذا لم يُسْمَع ويُطَع لولي الأمر فإن الناس بذلك تكون بينهم الفوضى، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومَن تبعهم، فإن الناس لا يصلحون بدون راعٍ، ولا يصلحون بدون ولي أمر، وإنه إذا افترق الناس واختلفوا على ولي أمرهم وأظهروا معايبه على المنابر وقدحوا فيه وطعنوا فيه ونشروا ما عنده من أمور، فإن ذلك يسبب الفوضى في المجتمعات، ومن ثَمَّ يكون ذلك سَبَبًا في خروج الناس على ولاة أمورهم، والطعن فيهم وعدم السمع والطاعة لهم.

وما حصل من وجود هذه الفرق الضالة وغيرها من الفئات والجماعات التي تدعي أنها جماعات إسلامية، أو أنها جماعات جهاد وغير ذلك إنما هو بسبب عدم السمع والطاعة لولاة الأمر وعلماء المسلمين المشهود لهم، مما جعلهم يستحلون دماء المسلمين ويستحلون أعراضهم وأموالهم، فهم يسمعون ويطيعون لأشخاص ليس لهم سمع ولا طاعة، وهذا – والعياذ بالله – من أعظم أسباب نشر الفرقة والفساد، وهذا كله بسبب الطعن في علماء المسلمين وولاة أمورهم، فالواجب علينا إذا كنا نريد الأمن الحقيقي أن نسمع ونطيع لمن ولاهم الله أمرنا، وأن نكون جماعةً واحدة، لا جماعات، وأن نكون فرقة واحدة، لا فِرَقًا، وحزبًا واحدًا، لا أحزابًا.

إن الله جل وعلا جعل حزبه هم الفائزون الغالبون الذين يضعون أيديهم في أيدي ولاة أمورهم وعلمائهم، وبعض الناس يطعن في العلماء ويقول: هؤلاء علماء السلطة أو علماء الحكام، أو علماء الأموال أو غير ذلك. والعلماء لا يُبَلِّغون إلا ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف لنا أن نعرف السنة، وكيف لنا أن نعرف الحلال والحرام، وكيف لنا أن نعرف ما أوجب الله علينا إلا عن طريق العلماء ؟! فَهُم مَن يفهمون القرآن كما فهمه الصحابة ومَن بعد الصحابة من التابعين لهم بإحسان. فالعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا دِرْهمًا.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن قوام هذا الدين كتاب يهدي، وسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.

فإذا خلا هذا الدين وخلت البلاد من الكتاب الذي يهدي، وهم العلماء، والسيف الذي ينصر، وهم الحكام، ضاع الأمن وانتشر الفساد، وانتشر الشر، وقامت قائمة أهل الفساد وأهل الشر والفتن، فلا يأمن الناس على أموالهم، ولا على أعراضهم، ولا على دمائهم، فيجب علينا احترام العلماء، واحترام ولاة الأمور، والقيام معهم، ووضع أيدينا في أيدي رجال الأمن، وأن نكون كلنا رجال أمن، وليس الأمن في المملكة العربية السعودية قاصرًا على السعوديين فقط، وليس وَقْفًا عليهم، بل إنه واجب على جميع أفراد المجتمع من جميع المسلمين الذين وَفَدوا لهذه البلاد لكي ينعموا بنعم الأمن فيها والاستقرار، فيجب علينا جميعًا أن نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض، وأن نضع أيدينا في أيدي ولاة الأمور والعلماء، وأن نكون في حماية أمن هذا البلد.

وعلينا أن نأسى إذا سمعنا بتفجير أو قتل أو إراقة دم، أو إذا علمنا بوجود المفاسد من بيوت دعارة أو غير ذلك، فالمسلم يهتم بأمر المسلمين ويحزن إذا أصاب الأمة من الشر الذي ذكرنا، فهذا من باب إنكار المنكر بالقلب، فعلى المسلم أن ينكر بقلبه مثل هذه الأشياء، ويحب على المسلم أن يحزن إذا اختل الأمن، ويجب علينا نحن أن نكون يَدًا واحدة في الإبلاغ عن كل مجرم يريد أن يهتك أمن المسلمين من أصحاب المخدرات، أو من أصحاب الدعارة أو من أصحاب الفساد، ممن يروجون الفساد بجميع أنواعه وأشكاله، سواء يروجون أفكارًا تكفيرية، أو يروجون أفكارًا لإفساد المجتمع من فواحش وغيرها من الأمور التي قد حرمها الله تبارك وتعالى وأمر بأن نكون يدا واحدة ضدها.

وينبغي علينا جميعًا أن نستحضر أهمية الأمن وخطر اختلاله، وأن يكون في قلب كل مسلم منا حرص على أن يستتب الأمن في بلده وبين أهله وفي جماعة المسلمين جميعًا، وأن نحب الأمن للمسلمين وأن نكره الفرقة والخوف والرعب للمسلمين، هذا هو الذي يجب علينا جميعًا تجاه أنفسنا ومجتمعاتنا وعلمائنا وولاة أمورنا، فعلينا أن نحرص على هذا الأمن وأن نحفظه، واعلموا أن باختلال الأمن تكون إراقة الدماء دمائي ودمائك، وباختلاله تسبتاح الأعراض والأموال، عرضي وعرضك، ومالي ومالك، وكلنا سيصيبنا الخلل الناتج عن اختلال الأمن، فلنحرص جميعًا على أن نقف يَدًا واحدة ضد كل إنسان يريد أن يسيء إلى أمننا، وإلى استقرارنا، وإلى جماعتنا، وإلى ولاة أمورنا وعلمائنا، نسأل الله جل وعلا أن يؤمننا في دورنا، وأن يصلح ولاة أمورنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق