الأحد، 30 نوفمبر 2014

الوقاية من الحسد والسحر للعلامة ابن باز رحمه الله

هل السمع والطاعة لولي الأمر مصطلح جامي للشيخ صالح الفوزان

نصيحة مهمة للشيخ الدكتور عبدالله البخاري - وفقه الله

صفة سجود الشكر للعلامة ابن باز رحمه الله

حكم شراء القطط وحكم اقتنائها في البيت للشيخ صالح الفوزان وفقه الله

يا شباب الإسلام اعرفوا دعوة الأنبياء للشيخ ربيع المدخلي

يا شباب الإسلام اعرفوا دعوة الأنبياء للشيخ ربيع المدخلي

التوحيد أصل أصيل في كل العبادات للشيخ ربيع المدخلي

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

الإيمان عند السلف للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

أسباب الإنحراف عن المنهج السلفي الشيخ د عبدالله البخاري

مقطع مهم واذكر ربك إذا نسيت للشيخ الألباني رحمه الله

دور الشباب المسلم في هذا العصر للشيخ ابن باز رحمه الله

الأحد، 23 نوفمبر 2014

تفسير سورة البقرة الشيخ خالد عبدالرحمن

تفسير قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّر...

أين يكون نظر المصلي في الصلاة ؟ للشيخ ابن باز رحمه الله

أسئلة عن زكاة الذهب والذهب المستعمل للشيخ ابن باز رحمه الله

حكم طلب الحاجات وتفريج الكربات من الموتى للشيخ ابن باز

فضل النصيحة للشيخ الوالد ابن باز رحمه الله

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

لا توجد ثورة إسلامية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

مرتكب الكبيرة هل يخلد في النار للشيخ ابن باز - رحمه الله

الغش في الإمتحان للشيخ ابن باز - رحمه الله

الفرق بين المسلم والمؤمن للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

الحالات النفسية وعلاجها بالشرع للشيخ ابن باز رحمه الله

الزواج من الأقارب في ميزان الشرع للشيخ ابن باز

هل الدعاء يغير القدر للشيخ ابن باز رحمه الله

كيف نرتقي بأخلاقنا مع مخالفينا للشيخ عبدالرزاق العباد وفقه الله

حكم تارك الصلاة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

داعش متربية على أيدي المخابرات العالمية, الشيخ عبد العزيز آل الشيخ

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

يقول ابن القيم الله فوق كل مكان ، هل يجوز أن يقال أن الله في مكان ؟ الش...

حكم قولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , الشيخ عبدالعزيز بن باز

هل يجوز للمسلم أن يتحرى عقيدة إمام مسجده ،الشيخ صالح الفوزان

من قرأ ألهاكم التكاثر عند النوم وقي فتنة القبر، هل هذا صحيح؟ الشيخ إبن...

تأخر النساء بالزواج بحجة الصغر و إكمال الدراسة،الشيخ المحدث مقبل بن هادي...

تأخر النساء بالزواج بحجة الصغر و إكمال الدراسة،الشيخ المحدث مقبل بن هادي...

تأخر النساء بالزواج بحجة الصغر و إكمال الدراسة،الشيخ المحدث مقبل بن هادي...

شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ ابن باز رحمه الله

يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

أبيات رائعة بصوت العلامة صالح الفوزان حفظه الله

العزاء ليس له مكان أو أيام للشيخ صالح الفوزان حفظه الله

كيف يكون الإخلاص في العمل ؟ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

التحذير من الاعتداء على المسلمين

الخطبة الأولى
الحمد لله الكبير المُتعال، ذي العزَّة والملكوت والجلال، (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) [الزمر: 5]، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك والعزَّة والكمال، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه جميلُ الخِصال، بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، صفيُّ القلب، صادقُ المقال، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين والآل، وعلى أصحابِه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصِيكم – أيها الناس – ونفسِي بتقوى الله؛ فإنها زادُ المؤمن في طريقِه إلى الله، وأُنسُه في الوحشة، وسِياجُه في الفتن والمُدلهِمَّات. ما خابَ عبدٌ جعلها له منارًا، وتزوَّد بها لنفسِه سرًّا وجِهارًا، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
أيها الناس:
لقد كرَّم الله ابنَ آدم، وخلقَه في أحسن تقويم، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، وجعل له نورًا يمشي به في الناس إن هو آمنَ بربِّه، وأسلمَ وجهه إليه وهو مُحسنٌ، فيزدادُ بإسلامه شرفًا وكرامةً لتكون له حقوقٌ وواجِباتٌ من إخوانِه، ويكون لهم حقوقٌ وواجِباتٌ منه.
وإن من أهم الواجِبات والحقوق لكل مسلمٍ على أخيه المسلم: ألا يعتدِيَ عليه، ولا يتجاوزَ حقَّ الله فيه؛ إذ لكل مسلمٍ حقٌّ في حفظِ ضَروراتِه الخمس، هي: الدين، والنفسُ، والمال، والعقل، والعِرضُ والنسَب، انطلاقًا من قول الصادق المصدوق – صلى الله وسلم عليه -: «كل المُسلم على المسلم حرام؛ دمُه ومالُه وعِرضُه»؛ رواه مسلم.
فلا تعتدِي على مال أخيك المُسلم بسرقةٍ أو غصبٍ أو أكلٍ بغير رِضًا منه وطِيبة نفسٍ، ولا على عِرضِه بقذفِه أو انتهاكٍ له، ولا على عقله بتسليطِ فِكرٍ يُخرِجُه عما أوجبَ الله عليه، أو بإيقاعِه في المُسكِرات والمُخدِّرات والكُيوف التي تعبثُ بعقلِه الذي كرَّمَه الله به، ولا تعتدِي على دمِه الذي حرَّمَه الله إلا بالحق، وألا تُلحِقَ به نسَبًا ليس منه، أو تنسِبَه إلى غير أهلِه.
فكلُّ تجاوُزٍ على حقٍّ من حقوق المسلمين – أفرادًا كانوا أو مُجتمعًا – فإنه وقوعٌ في الاعتِداء والعُدوان الذي نهانا الله عنه بقولِه: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
وعليه، عباد الله:
فإن أي نوعٍ من أنواع الاعتِداء صغيرًا أو كبيرًا على حقوق المسلمين ليُعدُّ عُدوانًا آثمًا، وتجاوُزًا لحدود الله، يشتركُ فيه المُعتدِي ومن كان عونًا له قلَّ عددُهم أو كثُر، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وقد حذَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – كلَّ من أعانَ على الاعتِداء على العقل، فقال – صلوات الله وسلامه عليه -: «لعنَ الله الخمرَ، وشارِبَها، وساقِيَها، وبائِعَها، ومُبتاعَها، وعاصِرَها، ومُعتصِرَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليه، وآكِلَ ثمنها»؛ رواه أبو داود، والحاكم.
الاعتِداءُ والعُدوان – عباد الله – صفةٌ دنيئةٌ ملؤُها الحقد والاستِخفافُ بحقوق الله وحقوق عبادِه، وهو نارٌ مُحرِقةٌ للأفراد والجماعة تضطرِمُ من شرارة الاحتِقار، والتهوين من الحقوق، وتغييب خوف عقاب الله، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المسلم»؛ رواه مسلم.
فإذا كان هذا في الاحتِقار وهو معنًى نفسيٌّ دنِيءٌ، فكيف بالاعتداءُ في المال، والجسد، والعقل، والعِرض والنسَب؟! (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 30].
العُدوان – عباد الله – تقويضٌ لصرح التلاحُم، ومِعولٌ يُهدَمُ به بناءُ الأمن الشامِخ والعيش الرَّضِيِّ. العُدوانُ سوءٌ كلُّه، وشرٌّ كلُّه، ومحقٌ كلُّه، في لفظِه ومعناه؛ إذ لا يحمِل إلا معنى الهدم لا البناء، والظلم لا العدل، والفُرقة لا الجماعة، والأثَرَة التي ينظرُ فيها المُعتدِي إلى مصلَحَة نفسِه وإن كان بها هلاكُ غيره.
يقتُلُ ليحيا هو، ويسرِقُ لينعَم، ويظلمُ ليسعَد على حسابِ المقتول والمسروق والمظلوم، ولربما انطلقَ بعضُهم من مقولةٍ مشهورةٍ: (إن لم تتغدَّ بفلانٍ تعشَّى بك! وإن لم تكن ذئبًا أكلَتك الذئاب).
بالعُدوان – عباد الله – يكثُر الخوف، ويزولُ الأمن، وبالعُدوان تثورُ الحروب، ويموت الأبرياء، ويُهلَكُ الحرثُ والنسل. العُدوان – عباد الله – طبيعةُ الغاب؛ فالقويُّ فيها يأكلُ الضعيف، والوحشُ الكاسِرُ يلتهِمُ الحيوانَ الأليف.
ولما كرَّم الله بني آدم حرَّم عليهم أن ينزِلُوا بأنفسِهم منزلةَ البهائِم التي لا عقلَ لها ولا عدل، ولولا أن الإنسانَ يغيبُ وعيُه ويغفُل فلا يستحضِرُ عظمةَ خالقِه وأنه عزيزٌ ذو انتِقام، لما سبَّ هذا، ولا أخذ مالَ هذا، ولا قاتلَ هذا، غيرَ أن غيابَ هذا الوازِع لن يُعفِيَ كلَّ مُعتدٍ من عقوبة الله وغضبِه على من تجاوزَ حدودَه، واعتدَى على حدود الآخرين.
ولما حرَّم الإسلام الاعتِداءَ والعُدوان حرَّم كل وسيلةٍ تدعو إليه، صغيرةً كانت أو كبيرةً، كالعصبية مثلاً، وكذا الطائفية، والمُنابذة بالألقاب، والتحريش، والتشويش، والتهويش؛ إذ كلُّها كفيلةٌ في إيقاد نيران الصراع والحروب المُدمِّرة.
فإن النار بالعيدان تُذكَى***وإن الحربَ مبدؤُها كلام
فإن الحروبَ بدايتُها تعصُّبٌ وانتِشاءٌ، ونهايتُها هلاكٌ ودمارٌ. وقد روى البخاري في “صحيحه” أن السلفَ كانوا يستحبُّون أن يتمثَّلوا عند الفتن بأبيات امرِئ القيس:
الحربُ أول ما تكون فتِيَّةً***تسعَى بزينتِها لكل جَهولِ
حتى إذا اشتعَلَت وشبَّ ضِرامُها**ولَّت عجوزًا غيرَ ذات حليلِ
شمطاءَ يُكرَه لونُها وتغيَّرَت***مكروهةً للشمِّ والتقبيلِ
لذا أمرَ الله بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والعُدوان؛ ليحيا الناس حياةً كريمةً ملؤُها الوحدة والتآخِي، والشعور بحقِّ كلٍّ تجاه الآخر.
وأيُّ تفريطٍ تقعُ فيه الأمة فسيُحرِّشُ الشيطانُ بينها، ويُذكِي نارَ العُدوان، والقهر، والبغضاء، وسفك الدماء، والإفساد في الأرض، وجعل أهلها شِيَعًا يستضعِفُ بعضُهم بعضًا، ويلعنُ بعضُهم بعضًا.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “المؤمنُ إن قدِرَ عدلَ وأحسنَ، وإن قُهِر وغُلِب صبرَ واحتسَب”.
كما قال كعبُ بن زُهير أمام النبي – صلى الله عليه وسلم -:
ليسُوا مفارِيحَ إن نالَت رِماحُهمُ****يومًا وليسُوا مجازيعًا إذا نِيلُوا
وسُئل بعضُ العرب عن شيءٍ من أمر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: “رأيتُه يغلِب ولا يبطُر، ويُغلَب فلا يضجُر”.
وما سُمِّي بعضُ كفار قريش بالطلقَاء إلا حينما قال لهم في أَوْج غلَبَته، وذكريات طردِهم له تجُولُ في خاطِرِه: «اذهبُوا فأنتمُ الطُّلقاء».
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128، 129].
باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسِي والشيطان، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين والمُسلمات من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إن ربي كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -، واتقوا العُدوان والاعتداء أيًّا كان لونُه؛ فإنه لا يأتي بخير، وإن أقلَّ نِتاجِه: الشحناء والبغضاء المُفضِيَان إلى العُنف، والانتقام، والحَيف، وتلك – لعَمرُ الله – كلُّها ظلُماتٌ بعضُها فوق بعضٍ، لا يُزيحُها إلا التواضُعُ لله ولحُكمه وحُدوده وحفظِ حقوق الآخرين.
فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله أوحَى إليَّ أن تواضعُوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحد، ولا يبغِي أحدٌ على أحد»؛ رواه مسلم.
ثم اعلموا – يا رعاكم الله – أن شأنَ العُدوان عظيم، وأن الاستِهانةَ به شرٌّ مُستطيرٌ، يصِلُ إلى حدِّ كبائر الذنوبِ المقرونةِ بلعنٍ أو حدٍّ في الدنيا، أو عقوبةٍ في الآخرة.
ولذا فإنه يجبُ على الأمة أن تُعنى بواقعِها حقَّ العناية، بدءًا من طفولة المسلم وتربيتِه التربية الحسنة، لمحو صفة العُدوانية التي يُبتلَى بها بعضُ الأطفال، مرورًا بالشباب والمُجتمعات، وانتِهاءً بالدول؛ لتشملها دائرة الأخلاق الكريمة، والعدل، والإنصاف، والمُساواة.
وحتى نجعل العُدوان والاعتداء خلف ظهورنا في كل شأنٍ من شُؤون حياتنا، حتى في علاقة المرء بربِّه؛ إذ ينبغي أن تكون خاليةً من الاعتِداء، كما قال – جلَّ شأنُه -: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [الأعراف: 55].
وهو تجاوُز الحدِّ في الدعاء بالتكلُّف عن المأثور، ورفع الصوت، والسَّجع في الدعاء؛ إذ كلُّ ذلكم من الاعتِداء الذي نُهينا عنه.
وحتى في علاقة المرء بالأشهر الفاضِلة؛ كالأشهر الحُرُم، وشهر رمضان، فإن الله حرَّم الأشهُر الحُرُم وعظَّم شأنَها، وقال عنها: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]. وقد كان عُقلاء العرب قبل الإسلام يُعظِّمونها، حتى سمُّوا ما يقوم فيها من حروبٍ “حروب الفجار”.
كما أن من الاعتِداء والعُدوان – عباد الله – إسقاط هيبة شهر رمضان المُبارَك؛ بما يُبثُّ فيه عبر وسائل الإعلام المُتنوِّعة ما يتعارَضُ وعظمة ذلكم الشهر المُبارَك من مشاهِد تخدِشُ الحياء، وتُشيعُ المُنكرَ بين الناس في شهر القرآن، والقُرب من الله، ويُقلَبُ بذلكم ظهر المِجَنِّ فيه من شهر صومٍ وصدقةٍ وصلاةٍ ودُعاءٍ وقُرآنٍ، إلى شهر سهرٍ وعبثٍ ومُسلسلاتٍ وزُورٍ في القول والعمل.
وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ رواه البخاري.
وإنما شُرِع شهرُ الصيام لأجل التقوى، فكلُّ ما يُعارِضُ هذه التقوى يُعدُّ اعتِداءً وبغيًا وعُدوانًا على شهرٍ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
هذا، وصلُّوا – رحمكم الله – على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمد بن عبد الله صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكَته المُسبِّحةِ بقُدسِه، وأيَّه بكم – أيها المُؤمنون -، فقال – جل وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، صاحبِ الوجه الأنور، والجَبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم بلِّغنا رمضان، اللهم بلِّغنا رمضان، اللهم بلِّغنا رمضان، وبارِك لنا فيه، واجعلنا فيه من عُتقائِك من النار يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل مواسِم الخيرات لنا مربحًا ومغنَمًا، وأوقات البركات والنفَحات لنا إلى رحمتك طريقًا وسُلَّمًا.
اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينِهم في سائر الأوطان، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم عاجلاً غير آجِل، يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
سبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
——————-
ألقى الخطبة: فضيلة الشيخ / سعود الشريم – حفظه الله –

يا شباب الأمة .. وصية من منبر المسجد النبوي


يا شباب الأمة .. وصية من منبر المسجد النبوي

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونسغفِرُه ونستهدِيه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِ عليه وعلى آله وأصحابِه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
تُحيطُ بالمسلمين مِحنٌ عُظمَى وفتنٌ شتَّى، لا عاصِم منها إلا اللجوءُ إلى الله – جل وعلا -، والتوبةُ الصادقةُ إليه، والإنابةُ الصحيحةُ إليه – عزَّ شأنُه -، يقول – جل وعلا -: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].
إنه لا نجاةَ من مِحنةٍ وبليَّةٍ إلا بتحقيق طاعة الله – جل وعلا – وطاعة رسولِه – صلى الله عليه وسلم – في كل شأنٍ من الشؤون، فبذلك يدفعُ الله عن المسلمين البلاءَ والمِحَن، ويدرأُ عنهم الفسادَ والإِحَن، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم -: «العبادةُ في الهَرْج كهِجرةٍ إليَّ»؛ رواه مسلم.
إخوة الإسلام:
إن الضرورةَ تشتدُّ في مثلِ تلك الأحوال إلى التمسُّك بأصل الإسلام الأعظَم: فريضة الاجتماع على الحقِّ، والتعاوُن على الخير، والاتِّحاد على كل نافعٍ دُنيًا وأخرى، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
نحن في كل مُجتمعٍ مُسلمٍ بحاجةٍ عظيمةٍ إلى أن نكون صُورةً مُطابِقةً تمامَ الانطِباق لما أرادَه الإسلام منَّا في وصفِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – المُؤمنين بقوله: «مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَل الجسَد الواحِد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسهر والحُمَّى».
وذلك استِجابةً لقوله – جل وعلا -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة: 71].
وإن من أعظمِ المُصادمَة لمقاصِد الإسلام وتوجيهاته: تفرُّقَ المُسلمين واختِلاف قلوبهم، وتنافُر توجُّهاتهم فيما يصرِفُهم عن المنهَج الوضِيء الذي أمرَ الله به في قوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام: 153].
فالفُرقة عذابٌ ودمارٌ، والشِّقاقُ ذلٌّ وعار، والتنازُعُ فشلٌ وخسار، ولهذا يقول الله – جل وعلا -: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
فلا سلامة لمُجتمعٍ مسلم مع تفرُّق الكلمة، ولا نجاةَ للمُؤمنين مع تشتُّت وحدتهم، ولا عزَّة ولا رِفعةَ لهم مع تفويتِ الأُلفَة والأُخوَّة الإيمانيَّة التي أمرَ الله بها، يقول – جل وعلا -: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام: 159].
ورسولُنا – صلى الله عليه وسلم – يقول: «عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة؛ فإن الشيطانَ مع الواحِد، وهو مع الاثنين أبعَد، ومن أراد بحبُوحَة الجنَّة فليلزَم الجماعة»؛ صحَّحه الحاكم، ووافقه الذهبي.
شباب الأمة:
أنتم عمادُ الأمة ورِجالُ المُستقبل .. فاحذَروا كل طريقٍ يُوصِلُ إلى تفريقِ الصفِّ، وتمزيقِ الشملِ، وتحطيم الكِيان .. فعليكم بالسنة والجماعة، وتجنَّبوا الشُّذوذ والفُرقة.
قال الشاطبي: “وإذا ابتدَعوا تجادَلوا، ثم تخاصَموا وتفرَّقُوا وكانوا شِيَعًا”.
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “كلُّ ما خرجَ عن دعوَى الإسلام والقُرآن من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ فهو من عزاء الجاهلية”.
واعلموا – شباب الإسلام – أن من عوامِل الزَّيغ وعوامِل الضلال في الأمة في كل وقتٍ وحينٍ: الوقوعَ في التسارُع إلى طامَّة عُظمَى وبليَّةٍ كُبرى، زلَّت بها أقلام، وضلَّت بها أفهام، وسقطَ بسببها في البلاء فِئام، إنه التساهُلُ في تكفير أهل القبلة .. إنه التسارُع في تكفير أصحابِ: “لا إله إلا الله، محمدٌ رسولُ الله”.
قال – صلى الله عليه وسلم -: «من قال لأخيه: يا كافر، فقد باءَ بها أحدُهما، فإن كان كما يقول، وإلا رجعَت عليه»؛ متفق عليه.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «ومن رمَى مؤمنًا بكُفرٍ فهو كقتلِه»؛ رواه البخاري.
إن النبي – صلى الله عليه وسلم – حذَّر أمَّته بأعظم الزواجِر وأشدِّ المواعِظ، من التسارُع في ذلك بلا بُرهانٍ أوضحَ من شمس النهار، وبلا تقييدٍ بالقُيود القرآنية والضوابِط النبوية. وعلى هذا قرَّر أهلُ العلم وأساطِينُهم.
حتى قال قائلُهم: “إن الخطأَ في تركِ ألفِ كافرٍ في الحياةِ أهونُ من الخطأ في سفك محجَمَةٍ من دمِ مُسلم”.
أيها الشاب المسلم:
أعظمُ الناس لك نُصحًا وإخلاصًا، وأشدُّهم محبَّةً لك: هم والِداك، يُقدِّمان مصلحتَك على مصالِحهما، ويفدُونَك بأنفُسِهما، فالزَم برَّهما، وجاهِد في طاعتهما.
كُن بهما رفيقًا، ولتوجيهاتهما مُطيعًا، ومن حِكمتهما مُستقيًا ومُستفِيدًا .. هم أصدقُ من يُسدِي لك النُّصح، ويُقدِّمُ لك المشورة. فلا تنأَى بنفسِك عنهما، ولا تُسِرَّ من أمورِك عنهما صغيرًا ولا كبيرًا؛ فكم وقعَ بسبب ذلك ما لا يعلمُه إلا الله – جل وعلا – على شباب الإسلام.
اسمع لتوجيهٍ يقودُك للجِنان، ويُرضِي عنك الرحمن، إنه ما سمِعت فعلى ذلك نصوصُ الشريعة مُتواتِرة، وعلى تقديرِ هذا الكلام مُتظاهِرة.
شباب الإسلام:
أنتم عمادُ الأمة بعد الله – جل وعلا -، فوِّتوا على أعداء المُسلمين ما يصبُون إليه من النَّيل من هذه الأمة في كل وقتٍ وفي كل زمانٍ، من خلال شبابها؛ ليُشوِّهوا دينَها.
فأحيطُوا أنفسَكم بتقوى الله – جل وعلا -، غلِّبوا المنطقَ والعقلَ والحكمةَ، واعملوا بالرَّوِيَّة والرحمة والرِّفق واللِّين.
أظهِروا للعالمِ كلِّه محاسِنَ دين الإسلام .. ادعُوا إلى الله بإبرازِ أخلاق الإسلام العُظمى، وإظهار رحمته الكُبرى، ومحاسِنه التي لا تتناهَى.
إلى العلماء والدعاة والمُثقَّفين والمُفكِّرين: اتقوا الله في أنفسكم وفي شباب الإسلام .. واجبٌ عليكم توجيهُ الشباب إلى ما ينفعهم دُنيًا وأخرى.
احذَروا من كل ما من شأنِه أن يُوقِعَهم فيما لا تُحمَدُ عُقباه، ولا يُعلَمُ مآلُه، إما من جانبِ النَّيل من مُسلَّمات الدين، وإما من جانبِ الفتوى بما لا يستقيم مع جلبِ مصالِح الأمة ودرء الفساد عنها، وفقَ الضوابط الشرعيَّة، والقيود الدينية، يقول – صلى الله عليه وسلم -: «إن العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمة من رِضوان الله ما يُلقِي لها بالاً، يرفعُه الله بها درجات، وإن العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمة من سخَط الله لا يُلقِي لها بالاً، يهوِي في النار سبعين خريفًا»؛ رواه البخاري.
والنظرُ في مآلات الأقوال والأفعال والتصرُّفات قاعدةٌ كُبرى عند علماء المسلمين، خاصَّةً في أوقات المِحَن والإِحَن. فكم من فتوى في نوازِل الأمة لم تُعطَ حقَّها من البحث والتأمُّل، والحكمة والتروِّي، جرَّت فتنًا عمياء، ومِحنًا شتَّاء، خاصَّةً إذا كانت من الأفراد.
فلا بُدَّ من الأناءة والكياسة، ولا بُدَّ من الدقَّة والحَصافَة، لاسيَّما إذا اتَّقَدت العواطِفُ في الأمة، والتهبَت المشاعِرُ في قلوب المسلمين.
أمة الإسلام:
عظِّموا حقوقَ الأُخُوَّة الإسلاميَّة .. وتجنَّبُوا أذيَّة المسلمين بأي أذيَّةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ، فذلك عند الله عظيم؛ فرسولُنا – صلى الله عليه وسلم – يقول: «يا أيها الناس! إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا».
وأصبحَ ذلك معلومٌ من الدين بالضرورة.
يا أمة الإسلام:
اتقوا الله في هذه الأُخُوَّة الإيمانية التي حرِصَت توجيهاتُ القرآن الكريم، ومواعِظُ النبي الرحيم – عليه أفضل الصلاة والسلام – على منعِما يُكدِّرُ هذه الأُخُوَّة، أو يُسبِّبُ في تقطيعِ أواصِرها، حتى أصبحَ الحِفاظُ على تلك الأُخُوَّة من أعظم مقاصِد الإسلام، وأهمِّ أغراضِه في هذه الحياة.
ومن قواعِد السنة القطعيَّة: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه».
معاشر المسلمين:
بالأمن يتحقَّقُ أهنأُ عيشٍ به تحصُلُ راحةُ البال، واستِقرارُ الحال، قال – صلى الله عليه وسلم – مُذكِّرًا بذلك -: «من أصبحَ منكم مُعافًى في جسدِه، آمنًا في سِربه، عنده قُوتُ يومِه، فكأنَّما حيزَت له الدنيا».
فعلى أبناء المُجتمع المسلم أن يكونوا يدًا واحدةً في درء المخاطِر والأضرار عن مُجتمعهم، وصفًّا مُتراصًّا لتحقيق الأسباب التي يدفعُ الله بها المخاطِرَ والشُّرور، ويحصُلُ بها الأمنُ والأمان، ويسعَدُ بها بنُو الإنسان، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصِيكُم ونفسي بتقوى الله – جل وعلا -؛ فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين، بها يتحقَّقُ الفلاحُ والفوزُ والسعادةُ والنجاةُ في الدنيا وفي الأُخرى.
أيها المسلمون:
إن بلادَ الحرمين تعيشُ أمنًا ورخاءً في ظلِّ عقيدةِ التوحيد؛ فعلى أهلها وعلى شبابها أن يكونوا يدًا واحدةً مُتعاوِنين على البرِّ والتقوى، مُتراصِّين مُتصافِين في القلوب وفي الأقوال وفي الأفعال، يجمعُهم الحقُّ، وأن يحذَروا من أي ما يُكدِّرُ هذا الصفَّ، فإن ذلك أمانةٌ على كل مسلم.
ثم إن الله – جل وعلا – أنعمَ علينا بنعمٍ عظيمةٍ جليلةٍ، منها نعمةُ الأمن. فعلى المسلمين أن يعلَموا أن من أعظم الأسباب والحِفاظ عليه: تحقيقُ التوحيد، وتحقيقُ طاعة الله – جل وعلا – في كل شأنٍ من شُؤون الحياة، يقول الله – جل وعلا -: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
ثم إن الله – جل وعلا – أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والآل، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم احفَظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفَظنا واحفَظ المسلمين من كل شرٍّ ومكروه، اللهم احفَظنا واحفَظ المسلمين من كل شرٍّ ومكروه، اللهم اجمع كلمتنا على البرِّ والتقوى، اللهم اجمع كلمتنا على البرِّ والتقوى، اللهم اجمع كلمتنا على البرِّ والتقوى يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم نفِّس كُرُبات المسلمين، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم احفَظ أعراضَهم وأموالَهم وأنفسَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألُك بأسمائِك الحُسنى وصفاتِك العُلى أن تُؤمِّن خوفَنا، وأن تُؤمِّن روعاتنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، وجنِّبهم شِرارَهم يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً.
—————————–
فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله -

التحذير من الفتن


التحذير من الفتن


التحذير من الفتن

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله عليِّ القدر عليِّ الذات، دحَا الأرضَ ثم استوَى إلى السماء فسوَّاهنَّ سبعَ سماوات، جمعَنا على دينِه بعد فُرقةٍ وشَتات، وآوانَا بشريعتِه وقد ضاقَت علينا كلُّ حاضِرةٍ وفَلاة، لا تُحصَى نعمُه، ولا يُبلغُ حمدُه، أرانا فيمن حولَنا العِبَرَ والعِظات، وساقَ لنا الزواجِرَ والمثُلات، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فلا عُزَّى ولا لات، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه بعثَه ربُّه بأتمِّ الشرائِع وخاتمةِ الرسالات، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله ذوِي الأصول الزَّاكِيات، وعلى أصحابِه النجوم الزَّاهِرات، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وراقِبوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، واعلَموا أن كلاًّ منكم بعملِه مُرتهَن، وفي قبرِه مسؤولٌ ومُفتَتن، ويوم القيامة موقوفٌ ومُمتحَن.
فيا لَطُولِ الحسَرات يومئذٍ .. ويا لعظيمِ النَّدامة حينئذٍ، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )[آل عمران: 185]، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

أيها المسلمون:
لا يُدرِكُ الواقعَ من لا يعرِفُ التاريخ .. ومنذ بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – والإسلامُ في ظهورٍ وازدِهار، والمُسلِمون في اجتماعٍ وتآلُف .. سارَ على ذلك خلفاءُ النبي – صلى الله عليه وسلم -، فعلَوا بالمُسلمين شرقًا وغربًا، وبنَوا بهم حضارةً ومجدًا.

ما أغاظَ الأعداءَ الذين عجِزوا عن هزيمة الإسلام في ساحِ المعارِك وميادين النِّزال، فلجَأوا إلى هدمِ بنائِه من الداخل.
وكم حفَلَ التاريخُ منذ الصدر الأول بوقائِع وحوادِث أثارَت الفتنَ، وفرَّقَت الأمة، وأوقفَت الفتوحات، وثلَمَت في الإسلام جراحًا لا زالَت آثارُها تنزِف.
ولا زال التاريخُ يذكرُ فعلةَ الأشتر وابن سبأ .. وقولَة ابن السَّوداء حين رأى صُلح المُسلمين واجتِماع كلمتِهم واتفاقَ رأيهم، فقال – قبَّحه الله -: (يا قوم إن عِيرَكم في خُلطة الناس، فإذا التقَى الناسُ فأنشِبُوا الحربَ والقتالَ بينهم، ولا تَدَعُوهم يجتمعون) فأوقدَ النار، وأوقدَ الحربَ، وأنشبَ القتالَ في ليلةٍ عمياء مُظلِمة.

أيها المسلمون:
ومع تفاوُت الزمان والحال، إلا أن هذه الصورة لا زالَت تتكرَّرُ في زمن الفتنة، يسعَى المأجورون إلى الإيقاع بين الفُرَقاء من المُسلمين، فيُحدِثون حدَثًا هنا وحدَثًا هناك، ويُوهِمون العامَّة من كل فريقٍ أن الآخرين فعلُوا بهم ذلك. فتظهر العداوات، وتتأزَّمُ النفوس، وتشتعِلُ الحروبُ، وتخرَبُ الديار.

وإذا أردتَ أن تعرِفَ المُجرِمَ في أي حادثة، فانظر من المُستفيدُ منها!
عباد الله:
ولقد بُلِيَت بلادُ المُسلمين في العُقود الأخيرة بوقائِع مُؤلِمة، لا زالَت بلادُهم تصطلِي نارَها، وليس غريبًا أن يطرُقَ الأعداءُ كلَّ سبيلٍ دنِيءٍ لإيقاع الفتنةِ بين المُسلمين. لكنَّ العتَبَ حين ينزلِقُ المُسلمون في وحَل الفتن، ويتراشَقُون التُّهَم والتجريم، ثم تشتعِلُ بينهم نارٌ لا تنطفِئ، لا يستفيدون من التجارب، ولا ينظرون للعواقِب.

أيها المسلمون:
ومن أعظم الفتنة في مثلِ هذه الأحوال: الطَّرحُ الهزيلُ المُنهزِمُ لعامَّةٍ وخاصَّةٍ، يعُودُون على قِيَمهم ومبادِئِهم بالاتِّهام والتَّشكيك، واللَّوم والتثريب، ويُشيعون أن منهجَ أهلهم الذي سمَوا به عقودًا هو سببُ الفتنة، (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [التوبة: 49].
ويتطاوَلون على النظام التي قامَت عليه دولتُهم، وهو سرُّ بقائِها، (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) [الحشر: 2]، ويتعامَون عن الأسبابِ الحقيقيَّةِ وراءَ الأحداث.
ومن البلاء أن يُضطَرَّ الإنسانُ لإثباتِ ضياء الشمس ونور القمر.

عباد الله:
إن منهجَ المملكة العربية السعودية منذ قامَت في مراحلِها الثلاث .. شريعةً ونظامًا، وتديُّنًا ودستورًا لم ينتهِك حقَّ طائفةٍ أو يُلجِئَ صاحبَ مُعتقَد. ومُذ قامَت هذه البلادُ السعوديةُ وفيها مُواطِنون يعتقِدون مذاهِبَ مُخالفةٍ لعقيدة الغالبِ من سُكَّانها، حفِظَت لهم هذه البلادُ خصوصيَّتهم؛ فلم تُلجِئهم لمُعتقَدٍ ولم تُهجِّرهم من أرضٍ، على نحوٍ لم تفعله حكوماتٌ علمانيَّةٌ في بلاد المُسلمين، ولم تفعله بلادٌ كان المُسلمون السُّنَّةُ أقليَّةً فيها.

ولما رأى الأعداءُ هذا التوافُق، وهم الذين حسِبُوا هذا التمايُزَ خزَّان بارودٍ يُمكنُ أن يُستغلَّ، خصوصًا وقد جرَّبُوه في دولِ الجِوار ونجَحوا.
رامُوا العبثَ بهذا المِفصَلِ في شرقِ البلاد فخابُوا، وتأمَّلُوا إيقاعَ الفتنة بين الناس فخسِرُوا، وردَّ الله كيدَهم، وكفَى المُسلمين شرَّهم، وباؤُوا بدمٍ حرامٍ سفَكوه، وبجُرمٍ عظيمٍ انتَهَكوه، ولم يُحقِّق الله لهم غاية، وكانوا لمن خلفَهم عِبرةً وآية.
إن لهذه البلاد تجربةً رائِعةً في التسامُح والعدل، ونبذِ التعصُّب والإقصاء، وهو مبدأٌ نشَأَ معها لا يُنكِرُه إلا من يتنكَّرُ لمبادئِه.
ولقد أرسَى الملكُ المُؤسِّسُ (الملكُ عبدُ العزيز – رحمه الله -) قواعِدَ هذه الدولة، وحكمَها نصفَ قرنٍ من الزمان وهو في قوَّته وقوَّة دولتِه، ومن بعده أبناؤُه المُلوك، لم يُؤثَر أبدًا أن هذه الدولة وهي في عُنفوانِها وقوَّتها أكرهَت أحدًا على دينٍ، أو تعصَّبَت ضدَّ أحدٍ بناءً على عقيدتِه أو طائفتِه، ولا يُوجد في النظام أو التطبيق ما يُشيرُ إلى تمييزٍ في الحقوقِ لعِرقٍ أو طائفة.

ومنذ تأسَّسَت الدولةُ وحتى اليوم وقد دخلَها للتجارة أو العمل مئاتُ الآلاف بل الملايين، من المُنتَمين إلى أديانٍ وطوائِف، وبعضُهم أقامَ سنين، لم يتعرَّض واحدٌ منهم لشيءٍ يخُصُّ مُعتَقَده ومذهبَه.
ونحن في عصر الاتصالات والتواصُل، وقُدوم أكثر من سبعة ملايين من الحُجَّاج والمُعتمِرين كل سنةٍ، عدا الوافِدين للزيارة والسياحة والعمل والتجارة، لا يرى أيُّ قادمٍ فارِقًا في العبادة بين ما يجرِي في المملكة وغيرها.
بل إن من أعظم إنجازات هذه البلاد: إنهاءَ التعصُّب المذهبيِّ الفقهيِّ؛ فبعد أن كان المُسلمون يُصلُّون بأربعة أئمةٍ مُتفرِّقين في المسجِد الحرام، يتوزَّعون بينهم عند كل إقامةٍ للصلاة حسب مذاهبِهم، صارُوا يُصلُّون خلفَ إمامٍ واحدٍ يتحرَّى بهم صلاةَ النبي – صلى الله عليه وسلم – دون الالتِفات إلى انتِماءٍ مذهبيٍّ.
والزائِرون للحرمين الشريفين يرَون ويسمَعون المُدرِّسين في الحرمين، يذكُرون مذاهبَ الأئمة الأربعة عند تقرير الدروس باحتِرامٍ وتبجيلٍ لكلٍّ منهم، وعدم التفريقِ بينهم، ويختارُون من كُتبهم ما يرَونَه أنسَب للطالِب أو لتقرير الموضوع المُناسِب من أي كُتب المذاهِب الفقهيَّة وكُتب العلماء المُعتبَرين.
وإذا أفتَى المُفتِي فلا يتقيَّدُ بمذهبٍ مُعيَّنٍ من مذاهِبِ أهل السنَّة، وإنما يختارُ ما يعتقِدُ أنه أرجحُ دليلاً، ولا يلتزِمُ القاضِي بمذهبٍ مُعيَّنٍ، فإذا قضَى بالدليل بما يُوافِقُ مذهبَ أحدِ الأئمة، فلا يُمكنُ أن يُنقَضَ حُكمُه بسبب اختِيار ذلك المذهَب.
وعندما شُكِّلَت هيئةُ كِبار العلماء في هذه البلاد كانت تضمُّ علماء ينتسِبون إلى المذاهِب الفقهيَّة الأربعة، ولا زالَت كذلك منذ أكثرَ من أربعين عامًا.
وفي جامِعات المملكة تُكتبُ الرسائلُ والأُطروحات في الفقه، فتُعالِجُ القضايا والمسائِلَ على المذاهِبِ الفقهيَّة، بدون تمييزٍ من جهة الإجلالِ والاحتِرام للعلماء، وإنما يُرجِّحُ الباحثُ من الأقوال ما يراهُ أقوَى دليلاً؛ بل إن لجامِعات المملكة إسهامًا ضخمًا في تحقيق تُراثِ المذهبِ الحنفيِّ والمالكيِّ والشافعيِّ والحنبليِّ، وخدَمَت كُتبَ هذه المذاهب دراسةً وتأصيلاً وتحقيقًا بصورةٍ لم تُسبَق إليها.
إن همَّ أهل الفِكر والإصلاح في هذه البلاد مُقاومةُ كل حركةٍ رجعيَّةٍ لإحياء التعصُّب المذهبيِّ، حتى لا يعود تارةً أخرى؛ بل لو قابَلتَ أحدًا من العامَّة وسألتَه عن مذهبِه الفقهيِّ، فالغالبُ أنه لا يفهمُ لسُؤالِك معنًى.
لقد نجحَت الحركةُ العلميةُ في هذه البلاد منذ تأسيسِها وحتى اليوم في ربطِ الناس بالدليل، واتِّباع الوحي، ونبذِ التعصُّب.
يقدُمُ القادِمون للمملكة فلا يرَون مذهبًا خامِسًا، ولا دينًا غير الدين الذي يعرِفونَه، ولا تفسيرًا خاصًّا للإسلام. تُنقَلُ الشعائِرُ والصلواتُ وخُطبُ الجُمعة بكل وسائل الإعلام المُتنوِّعة إلى أصقاع الأرض، فلا يرى أحدٌ أن في المملكة طريقةٌ للدين مُختلفة، ولا يسمَعون قولاً أو يرَون فعلاً يختلِفُ في الدين عما كان عليه أهلُ السنَّة طوال العصور.
كلُّ ما تختلِفُ به هذه البلادُ عن غيرِها هو ترفُّعها عن الخُرافات والبِدع، وتحرِّيها دينَ الله الصحيح، كما جاء به مُحمدٌ – صلى الله عليه وسلم -. وإن شَذَّ فردٌ أو أفرادٌ فلا يجوزُ تحميلُ الأمة كلها تبِعَة شذوذه.

عباد الله:
وبعد كل هذا .. ألا يخجلُ المُتخاذِلون من أن يتَّهِموا مُجتمعهم وجامِعاتهم، ودينَهم ودولتَهم بالتعصُّب والتطرُّف؟! أو يتَّهموا منهجَهم بإفراز الطائفيَّة والإقصاء؟!
إن هذا الحَيفَ في الاتِّهام هو الذي يُفرِزُ التعصُّب والتطرُّف، ويُوغِر الصدور، ويُؤلِّب الأعداء. وطعنُ بعض أبناء هذه البلاد بمناهِج التعليم، وعودتهم باللائمة على دينهم ونظام بلدهم هو خطأٌ في النظر، وقُصورٌ في التفكير، وانهِزامٌ في الروح.
فلم تُحفَظ الدماءُ وتُصانُ الحقوق كما حُفِظَت في وقتٍ كان ما اتَّهموها به في أَوْجِه وما عابُوه عليها في قوَّته، وإنما كثُر الهَرجُ والمَرجُ حين علا صوتُ المُشكِّكين، وكثُرت سِهامُ الطاعِنين، وكانت أكثرَ ما كانت بلادُنا أمنًا، وأرغدَ عيشًا في وقتٍ عاد عليه بعضُ المخذُولين بالنقدِ والتثريب.
وقد علِم الناس، ونطقَ الأباعِدُ قبل الأقارِب بأن أكثرَ أفراد الجماعات المُتقاتِلة في بلاد الاضطِراب هم من بلادٍ تحكمُها العلمانيَّة، وتتحكَّمُ فيه مناهجِ التعليم فيه.
فعيبٌ على من يُزايِدُ ويستغلُّ مُصابَ وطنِه فيسُلُّ قلمَه، ويسلِقُ بقلمه أحكامًا وعلماء، وأنظمةً ومناهِج. تناسَوا أثرَ الشريعة في إصلاح الدنيا والدين، ونالُوا علماءَها الأجلاء الأثبات، الأحياء منهم والأموات، في نُكرانٍ للفضل، ولُؤمٍ في النَّقد، وخُبثٍ في الطَّرح.
وقد كان الطعنُ في العلماء جِسرًا لما بعدَه، فنالُوا الشريعةَ بمُجملها، واختفَت لغةُ التفريقِ بين اليقينيِّ والظنِّيِّ، وصارَت المُطالبةُ بحِصار الشريعة والتضييقِ عليها من أصل مبدئِهم.
ولقد ثرَّب الله على أقوامٍ سابقين، فأخرجَ أضغانَهم وجعل أمثالَ هذه الحوادِث فاضِحاتٍ لما طوَته صدورُهم، والله يَميزُ الخبيثَ من الطيب.
إن علمَ الشريعة والتفقُّه في الدين لا يُقايَسُ بعلوم الدنيا، ولا يُربَطُ تعلُّمُه بها. إنه عبادةٌ أولاً وأخيرًا، إنه اصطِفاءٌ وخيريَّة، من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّههُ في الدين، وكلما ازدادَ المُجتمعُ تفقُّهًا زادَ المُجتمعُ خيريَّة، وصحِبَه هذا العلم حتى مماته وفي قبرِه، ورفع الله به درجاتِه في الجنة إن صلَحَت نيَّتُه.
ولقد سمَت الشريعةُ بهذه الأمة قرونًا، وعلَت بها عصورًا، قامت تحت ظلِّها ممالِك وحضارات، وتشكَّلَت تحت لوائِها أفكارٌ وثقافات، ولم تنكسِر لها شوكة إلا حينما ارتخَت قبضتُها على الدين، وخفَتَ وهَجُ الشريعة في نفوس كثيرين، وكان هذا في القرن الأخير فحسب.
فتناسَى المُنهزِمون سابِقَ العهد، وصادقَ الوعد، والذي قطعَه الله على نفسِه بإعزازِ من عزَّ دينَه، وأعلى كلمتَه، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسُّنَّة، وانفَعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقُّ المُبين، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعد:
فإن على كل أحدٍ أن يُدرِك أن أمنَ بلاد الحرمين هو أمنٌ لكل مُسلمٍ على وجهِ الأرض، وأنه لا مُساوَمَةَ على أمن المملكة تحت أي ظرفٍ ولأي سببٍ.
ولقد وصلَ الوعيُ – بحمد الله – بمُواطِني هذا البلد إلى إدراك المُؤامرات التي تستهدِفُ وحدةَ هذه البلاد وأمنَها، وأن الأعداء يستخدِمون الإرهابَ وإحداثَ الفوضَى لتحقيق مآربِهم، ويُغرِّرون بالسُّفهاء لتنفيذِ مُخطَّطاتهم.
وقد باتَت الأمورُ أوضحَ من ذي قبل، ولا بُدَّ من التأكيد على حُرمة دماء المُسلمين، فضلاً عن المُستأمَنين والمعصُومين، قال الله – عز وجل -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من قتلَ مُعاهَدًا لم يرَح رائِحةَ الجنة»؛ أخرجه البخاري.
فكيف إذا كان القتلُ لإيقاع فتنة، أو استِهدافٌ لرِجالٍ يحفَظُ الله بهم أمنَ البلاد والعباد؟! كما يجبُ البُعد عن كل موقفٍ أو قولٍ يُثيرُ العداء ويُثيرُ الخلاف؛ فأمنُ البلاد لا يقبلُ المُساومةَ والمُزايَدَة.
كما أن على المُخلِصين أن يضعُوا الأمورَ في نِصابها، وأن تُسمَّى الأشياءُ بأسمائِها، وتُردَّ الحوادِثُ إلى أسبابها، من غير حَيفٍ ولا تجاوُز. فبالصدقِ والإخلاصِ تصلُحُ الأمور، وتُدفعُ الشُّرور.
حفِظَ الله بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة وأزكَى البشريَّة: محمدِ بن عبد الله الهاشميِّ القُرشيِّ.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجِه أمهات المؤمنين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، وعمَّن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء.
اللهم من أرادنا وأراد بلادَنا وبلادَ المُسلمين وأراد الإسلام والمُسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحره، واجعَل دائِرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى، اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم الطُف بإخواننا في فلسطين، وفي سُوريا، وبُورما، وأفريقيا الوسطى، وفي كل مكانٍ، اللهم ارفع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفَرَج، اللهم ارحم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ أعراضَهم، وسُدَّ خلَّتَهم، وأطعِم جائِعَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمَعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، اللهم اكبِت عدوَّهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المُؤمنين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد، اللهم وفِّق وُلاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم انشُر الأمن والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المُسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 147].
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُرِّيَّاتهم، وأزواجنا وذرِّيَّاتنا إنك سميع الدعاء.
نستغفرُ الله، نستغفرُ الله، نستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.
اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
————————
الخطيب:فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب – حفظه الله -

وجوب الصدق والنصح في المعاملة للشيخ ابن باز رحمه الله

نصيحة لأمهات الزوجات وقريبات الأزواج للشيخ ابن باز رحمه الله

تفسير قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّر...

أين يكون نظر المصلي في الصلاة ؟ للشيخ ابن باز رحمه الله

خطبة صلاة الاستسقاء من المسجد الحرام الاثنين24 1 1436 الشيخ صالح ال طالب...

الأحد، 16 نوفمبر 2014

هل الدعاء يغير القدر للشيخ ابن باز رحمه الله

كيف نرتقي بأخلاقنا مع مخالفينا للشيخ عبدالرزاق العباد وفقه الله

جديد- التردد من الذهاب الى العمرة مخافة مرض الكورونا للشيخ صالح الفوزان

أين الله الشيخ الألباني رحمه الله تعالى

إضاعة الصلاة للشيخ صالح الفوزان

شبهتين احذر منها الشيخ ربيع المدخلي

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

ماحكم الذهاب الى سوريا للمشاركة في القتال للشيخ د عبدالله البخاري

فتنة التكفير للشيخ محمد بن صالح العثيمين

ضوابط التكفير صالح آل الشيخ

تحذير الشيخ ابن عثيمين من #تنظيم_القاعدة

الحكم بغير ما انزل الله محمد العثيمين في اخر حياته

الشيخ ابن عثيمين الخوارج والحكم بغير ما أنزل الله

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

علاج قسوة القلوب :: الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

علاج قسوة القلوب :: الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

بماذا تنصحونني وتنصحون أيضا الشباب ؟ وماذا يجب على المسلم عند الفتن وخاص...

آداب إسلامية عامة للشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري

يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

إضاعة الصلاة للشيخ صالح الفوزان

قصة سلفي مع مبتدع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله

الوصية بتقوى الله تعالى والاستقامة على دينه

لقاء هيئة تحرير المسلمون مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
نود من سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز كلمة توجيهية حول ما ترونه من واجبنا ومسؤولياتنا بما يعيننا على أداء رسالتنا وواجبنا بإذن الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فيسرني أن أوصي إخواني المسلمين في كل مكان، وخاصة صحيفة المسلمون أوصي الجميع بتقوى الله جل وعلا، وأن يستقيموا على دينه، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه أينما كانوا، لأن الله سبحانه يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى[1] ويقول جل وعلا: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[2]. فوصيتي لجميع المسلمين العلم بما دلت عليه هذه السورة العظيمة فقد دلت على أن جميع الناس في خسران إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ هؤلاء هم الرابحون من الجن والإنس من العرب والعجم من الذكور والإناث. الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا الله فيما أخبر به عن الآخرة، والجنة والنار وغير ذلك وصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الله وعن الآخرة والجنة والنار وغير ذلك. ثم حققوا الإيمان بالعمل، فأدوا فرائض الله من صلاة وغيرها وابتعدوا عن محارم الله، وتناصحوا فيما بينهم، وتواصوا بالحق، ودعوا إلى الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتواصوا بالصبر على ذلك. هؤلاء هم الرابحون، وهؤلاء هم المؤمنون حقاً، وهم الصادقون، وهذا هو التعاون على البر والتقوى، وهذا هو شأن المؤمنين الذين قال الله فيهم:وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[3] هذا شأن المؤمنين أولياء متحابون في الله متناصحون، متعاونون على البر والتقوى، لا يظلم بعضهم بعضاً ولا يخون بعضهم بعضاً، ولا يكيد بعضهم لبعض ولا يغش بعضهم بعضاً. هؤلاء هم أولياء، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتواصون بالحق والصبر عليه. هكذا المؤمنون. وهكذا أولياء الله.
فوصيتي لجميع المسلمين في كل مكان من العرب والعجم، من الجن والإنس وصيتي للجميع أن يتقوا الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يكونوا أولياء متحابين في الله آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر متواصين بالحق صابرين عليه أينما كانوا. يرجون فضل الله وإحسانه ويخافون عقاب الله عز وجل ومقته. هكذا المؤمنون هكذا الصادقون أينما كانوا. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتفقهون في الدين، وينصحون لله ولعباده، ومما يعين على هذا التفقه في الدين والتعلم.. يقول الله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[4].
فالواجب التعلم لأن الله يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء[5] والمعنى إنما يخشى الله خشية كاملة هم العلماء وهم الرسل وأتباعهم.
فالواجب عليك يا عبد الله، وعليك يا أمة الله التعلم والتفقه في الدين، ثم العمل لأداء فرائض الله وترك محارم الله، والتواصي بالحق والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أهم ذلك العناية بالأهل، وبأولادك وزوجتك وجميع أهل بيتك تنصحهم لله. تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتصبر على ذلك. كما قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[6]، وقال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا[7]، وقال سبحانه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا[8] فالواجب على كل مؤمن العناية بالأهل والحرص على صلاحهم وعلى توجيههم إلى الخير، وعلى أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
وهكذا المرأة في بيتها تتقي الله، عليها أن تتقي الله، وأن تقوم على أهل بيتها ولا سيما إذا كانت هي المسؤولة وليس معها رجل. بينما الواجب عليهم أعظم، وإذا كان يوجد رجل فالواجب التعاون معه على ذلك مع زوجها، ومع أبيها ومع أخيها حتى يصلح أهل البيت، وحتى يستقيموا على دين الله، وحتى يؤدوا ما أوجب الله من صلاة وغيرها، وحتى يبتعدوا عن محارم الله، وحتى يقفوا عند حدود الله. وأوصي صحيفة المسلمون أوصي الصحيفة والقائمين عليها بتقوى الله وأن يجتهدوا في نشر ما ينفع الناس، وأن يحذروا نشر ما يضر الناس.
فالواجب على جميع العاملين في الصحف أن يتقوا الله. وأن ينشروا ما ينفع الناس في دينهم وديناهم، وأن يحذروا نشر ما يضر الناس في دينهم أو ديناهم.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ونسأل الله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم. كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير وأن ينصر بهم الحق، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين. إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

[1] سورة المائدة، الآية 2.
[2] سورة العصر.
[3] سورة التوبة، الآية 71.
[4] سورة يوسف، الآية 108.
[5] سورة فاطر، الآية 28.
[6] سورة التحريم، الآية 6.
[7] سورة طه، الآية 132.
[8] سورة مريم، الآيتان 54، 55.


كيف يكون الإخلاص في العمل ؟ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

دور الشباب المسلم في هذا العصر للشيخ ابن باز رحمه الله

أين يكون نظر المصلي في الصلاة ؟ للشيخ ابن باز رحمه الله

الاثنين، 10 نوفمبر 2014

كيف نعلم أبناءنا العقيدة الصحيحة للشيخ صالح الفوزان وفقه الله

أسباب الإنحراف عن المنهج السلفي الشيخ د عبدالله البخاري

كلمة مهمة للشباب الذين يخجلون من الثوب القصير للشيخ ابن باز رحمه الله

حكم من أدرك الإمام راكعا

إذا أدركت الإمام راكعاً وركعت فهل تُكتب لي ركعة أم أعيدها، علماً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)؟

هذه المسألة تنازع فيها أهل العلم ومنهم من قال تجزئه الركعة وهذا قول الأكثرين وهو قول الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم قالوا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سأله أبو بكر الثقفي عن هذه القضية فإن أبا بكر جاء والإمام راكع فركع مع الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من الذي فعل هذا؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله ، فقال: زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة بل نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف فالداخل ليس له أن يركع دون الصف بل يصبر حتى يتسع الصف ويصف في الصف، وليس له أن يركع دونه ولم يأمره بقضاء الركعة ولأنه معذور ما أدرك القراءة فكان معذوراً، فيكون هذا الحديث مخصصاً للحديث الذي ذكره السائل وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فهذا عام يستثنى منه الذي دخل والإمام راكع أو دخل مع الإمام ونسي قراءتها أو يعتقد أنها لا تجب عليه كما يقوله الجمهور أنها لا تجب على المأموم فهو مستثنى عند الجمهور، والصواب أنها تجب على المأموم لكن إذا تركها ناسياً أو تقليداً لغيره لم يعرف الحكم الشرعي، أو لم يدرك إلا الركوع بأن جاء عند الركوع أو وهو راكع فهذا معذور والصواب أنها تجزئه، هذا هو الصواب الذي عليه عامة أهل العلم وأكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أنها لا تجزئه وبها قال البخاري رحمه الله وجماعة، لهذا الحديث حديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ،ولكنهم محجوجون بحديث أبي بكرة فهو معذور لعدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالقضاء، فلو كان من فاتته القراءة يقضي ولا تجزئه لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك، فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فهذا وقت البيان فلما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمره بقضاء الركعة دل على أنه لا قضاء عليه وأن هذا مستثنى.

حكم من أقر بالشهادتين ولم يأت ببقية أركان الإسلام

هناك شيء يتردد بين أوساط الناس حيث يقولون مثلاً: الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج أيضاً يشترط له الإسلام، إن الإنسان قد يكون مسلماً، ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام.. نريد تجلية هذا الموضوع؟

هو مسلم بالشهادتين، متى أقر بالشهادتين ووحد الله عزَّ وجلَّ، وصدَّق رسوله محمداًَ صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم يُنظر فإن صلى تم إسلامه وإن لم يصلِّ صار مرتداً، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتداً، أو أنكر الصيام وقال: صيام شهر رمضان ليس بواجب صار مرتداً، أو قال: الزكاة ليست بواجبة صار مرتداً، أو قال: الحج مع الاستطاعة غير واجب صار مرتداً، أو استهزأ بالدين أو سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم صار مرتداً.

فإذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور، فإن استقام على الحق تم إسلامه، وإن وجد ما ينقص الإسلام من سبِّ الدين أو من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم أو من جحد ما أو جب الله من صلاة أو صوم أو من جحد لما حرم الله صار مرتداً، ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

فلو قال: إن الزنا حلال، وهو يعلم الأدلة وقد أقيمت عليه الحجة يكون كافراً بالله كفراً أكبر، أو قال: إن الخمر حلال، وقد بينت له الأدلة ووضحت له ثم أصرَّ على القول بأن الخمر حلال، يكون كافراً كفراً أكبر ومرتداً عن الإسلام، أو قال: إن العقوق للوالدين حلال، فإن ذلك ردة عن الإسلام، أو قال: إن شهادة الزور حلال، يكون مرتداً عن الإسلام بعد أن تبين له الأدلة الشرعية.

كذلك إذا قال: الصلاة ليست بواجبة، أو قال: ليست الزكاة بواجبة، أو قال: صيام رمضان ليس بواجب، أو قال: الحج مع الاستطاعة ليس بواجب، كلُّ هذه نواقض من نواقص الإسلام، يكون بها كافراً.

إنما الخلاف إذا قال: الصلاة واجبة، ولكن أتساهل فلا أصلي، فهذا محل خلاف: هل يكفر أم لا؟

فجمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصياً يستتاب فإن تاب وإلا قتل حداً. وذهب آخرون من أهل العلم المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بها كفراً أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً، لقول الله جلَّ وعلا: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[1]، فدلَّ ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[2]، فدل على أن الذي لا يقيم الصلاة ليس بأخٍ لنا في الدين.


[1] - سورة التوبة الآية 5.
[2]  - سورة التوبة الآية 11.

موقف المسلم من الفتن الشيخ د.سليمان الرحيلي

الشرك حقيقته وعلاماته للشيخ العلامة ابن باز - رحمه الله

معنى ومدلول وشروط لا إله إلا الله الشيخ ابن باز رحمه الله

الوسوسة في الصلاة للشيخ ابن باز رحمه الله

أهمية العدل بين الأبناء الشيخ ابن باز رحمه الله

السلام على شخص يصلي للشيخ ابن باز رحمه الله

حكم المظاهرات إذا سمح بها الحاكم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

هل السمع والطاعة لولي الأمر مصطلح جامي للشيخ صالح الفوزان

مناقشة خلع البيعة


بسم الله الرحمن الرحيم

انتشر لبعضهم مقطع مرئي قال فيه: إنّه لا بيعة في عنقه لأحد اليوم بسبب غياب الإمام الأعظم، وقال: “البيعة العظمى في أعناقنا للإمام الأعظم الذي تختاره الأمة برضا”، وقال: “البيعة التي تكون للضرورة في أقطار المسلمين هي السلطة التي تختارها الأمة وتبايعها عن رضا” أهـ، وسأقف مع كلامه وقفات مختصرة، وأُرجئ التطويل إلى مقام آخر(1):
الوقفة الأولى: قوله مخالف لاعتقاد أهل السنّة والجماعة؛ لأنّ أهل السنّة والجماعة يقولون بأنّ الإمامة تنعقد بالاختيار، ولا يشترطون للاختيار إجماع الأمّة، وإنّما يجتمع أهل الحلّ والعقد فيختارون الإمام، ويقولون ـ أيضاً ـ : إنّ الإمامة تنعقد بالتغلّب وولاية العهد،فقد استدل الإمام أحمد على صحّة الإمامة بالتغلّب بفعل عبد الله بن عمر حيث بايع عبد الملك بن مروان لمّا تغلّب(2)، وأما دليل ولاية العهد فاستخلاف أبي بكر لعمر وبيعة الصحابة لعمر رضي الله عنهم(3).
الوقفة الثانية: لمّا تولّى بنو العباس سنة 132هـ لم تكن ولايتهم باختيار إجماع الأمّة وعن رضا، وإنّما حصلت بالتغلّب على كثير من أمصار المسلمين، وقامت دولة لبني مروان في الأندلس، حيث تغلب عليها عبد الرحمن بن معاوية المعروف بالداخل سنة 137هـ، فهذا واقع يُقرّه أهل السنّة والجماعة ولا يتغافلون عنه(4)، ويقرّرون مع شهادتهم بالواقع أنّ من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، قال الإمام أحمد: “لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام براً كان أو فاجراً”(5)، ولما ناظره قوم في إمامة الخليفة الواثق وقالوا له: إنّا لا نرضى بإمرته ولا سلطانه قال لهم: “لا تخلعوا يداً من طاعة”(6).
ولم يُعرف عن علماء أهل السنة والجماعة ومن وافقهم قول يُفهم منه أنّ الإمام غائب لأنّ الإمامة الموجودة حصلت بغير اختيار الأمة ورضاها، وإنّما عُرف الطّعن في صحة الإمامة القائمة من قبل المعتزلة والخوارج وأمثالهم، حيث اعتقدوا بطلان إمامة بني العباس وغيرهم وخرجوا عليهم.
الوقفة الثالثة: حقيقة تلك المقالة أنّ واجب إقامة الإمام لم يُعمل به منذ تولي بني العباس وقبله، وأنّ النّصوص الآمرة بالبيعة والسمع والطاعة لا يُعمل بها، وأنّ العلماء الذين اعتقدوا صحة إمامة بني العباس في العراق والشام وصحة إمامة بني مروان في الأندلس وعملوا بنصوص البيعة والسمع والطاعة كانوا على خطأ.
الوقفة الرابعة: لمّا قامت الدولة السعودية في القرن الثاني عشر الهجري تابع علماء الدعوة السلفية السلف الصالح فعملوا بالبيعة للأئمة، وأمروا بها، ومن ذلك أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بايع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود بعد أبيه، وأمر بذلك، واستجاب لأمره من تحت حكم الإمام عبد العزيز بن محمد، وبايعوه على الإمامة والسمع والطاعة(7)، وسار على هذا العمل علماء الدولة السعودية إلى زماننا هذا، فمن قال بأنّه لا بيعة في عنقه وأنّ الإمام غائب لأنّ الإمامة حصلت بغير رضا وإجماع الأمة فإنّه مخالف لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تابع فيها السلف الصالح.
أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا اعتقادنا وأمننا وإمامنا، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
——————-
الهوامش:
(1) العمل جارٍ على تقديم أطروحة دكتوراه بعنوان “التطبيق العملي لتعدّد الأئمة في تاريخ المسلمين دراسة عقدية” في كلية التربية بجامعة الملك سعود.
(2)أبو يعلى “الأحكام السلطانية” ص23.
(3)ابن كثير “تفسير القرآن العظيم” (1/221).
(4)ذكر ذلك ابن تيمية “منهاج السنة” (1/547).
(5)ابن رجب “ذيل طبقات الحنابلة” (2/21).
(6)الخلال “السنة” ص133.
(7)ابن غنام “روضة الأفكار” (2/74) وابن بشر “عنوان المجد” (1/99).
***************
*الكاتب:فضيلة الشيخ / عبد الله بن سعد أباحسين